‏إظهار الرسائل ذات التسميات أفكار وأسباب للسعادة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أفكار وأسباب للسعادة. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 25 مايو 2011

الغلط والغلطان



نفترض أن لك زميل بالعمل سيء الخلق وهذا الزميل (دعنا نسميه إبراهيم مثلا) قام بالاختلاس من أموال الشركة، وتم اتهامك أنت بالاختلاس وتم فصلك من العمل بسبب ذلك. وأنت تعلم علم اليقين أن إبراهيم هذا هو الذي قام بالاختلاس. ولم تمر سوى أيام قليلة وجاءك خبر فوز إبراهيم بجائزة اليانصيب بقيمة مليون دولار. أو لنفترض أن جاءك خبر تعرض إبراهيم لحادث بعد ارتكابه لجريمة الاختلاس. والآن، دعني أغوص بداخلك لأتعرف على مشاعرك تجاه هذه المواقف الثلاثة.

ماذا كانت مشاعرك تجاه إبراهيم عندما تم فصلك من العمل ظلما بسبب اختلاس إبراهيم لأموال الشركة؟ كراهية شديدة لإبراهيم، أليس كذلك؟.
وماذا كانت مشاعرك تجاه إبراهيم عندما فاز بجائزة اليانصيب بقيمة مليون دولار؟ حقدت عليه، وشعرت بأن شخص مثله لا يستحق هذه الجائزة.
وماذا كانت مشاعرك عندما تعرض إبراهيم لحادث؟ شعرت بالارتياح وبأن الله أنصفك وجزاه على ما ارتكبه من اختلاس وتسببه في فصلك من العمل.
للأسف هكذا تكون مشاعرنا جميعا، إلا من رحم ربي، تجاه كل من يظلمنا. المثال المذكور أعلاه هو مثال لشخص ظلمك ثم نال خيرا أو أصابه مكروه.

في هذه المقالة، أحاول أن أوضح كيف يجب أن تكون مشاعرنا تجاه من يظلموننا، وكيف يجب أن تكون مشاعرنا تجاههم عندما يصيبهم مكروه أو ينالوا خيرا. غاية ما أريد أن أوصله لك من هذه المقالة هو أنني أريدك أن تكره الغلط ولا تكره الغلطان، اكره المعصية ولا تكره العاصي. دعنا نطبق ذلك على مثال إبراهيم المذكور أعلاه. يجب ألا يكون في قلبك كره لإبراهيم، ولكن من حقك أن تكره تصرفه وهو الاختلاس. لا تكره إبراهيم كشخص، ولكن اكره ما فعله. اكره الفعل، ولا تكره الفاعل. وابذل كل ما في وسعك لاسترداد حقك واتخذ كل الإجراءات لإثبات إدانة إبراهيم.
ولكن لماذا ينبغي عليك ألا تكره إبراهيم؟ للأسباب التالية:

أولا: هل تكرهه لأنه غلطان أو لأنه عاصي؟ لا يوجد شخص على وجه هذه الأرض ليس بعاصي ولم يرتكب خطأً. فكل بني آدم خطاء. وإن كرهت إبراهيم كشخص، فينبغي عليك أن تكره نفسك وأن تكره أبيك وتكره أمك، لأن الجميع خطّاء.

ثانيا: لأن إحساس الكراهية الذي يكون بداخلك تجاه شخص معين لا ينال من أحد سواك أنت. لن يصل إلى الشخص الذي تكرهه. سيحترق دمك وستدع نار الكراهية تحرق قلبك، أما من تكره فيستمتع بحياته وكأن شيئا لم يحدث. يكفيك ظلمه لك، فلا تزد نفسك ظلما بكراهيتك له. ولتتخذ قرارا أبديا بالتمسك بالحب، فالكراهية عبء قد أنهك حامله. يقول هنري إينرسون "إن من يكره شخصا يكون كمن يحرق بيته من أجل أن يتخلص من فأر".

ثالثا: أجريت بحثا في آيات القرآن عن كلمة الكره ومشتقاتها، ووجدت أن الله عز وجل عندما تحدث عن الكافرين وعن المعتدين وعن المفسدين قال "إن الله لا يحب الكافرين" و "إن الله لا يحب المعتدين" و "إن الله لا يحب المفسدين". لماذا لم يقل الله عز وجل إن الله يكره الكافرين أو يكره المعتدين؟ لأن الله لا يقدم سوى الحب، ولا شيء سوى الحب. وأقصى ما يفعله مع العصاة هو أن يحجب عنهم هذا الحب. وهكذا نجب أن نكون في حياتنا؛ لا نكره أحدا أبدا، ويكفينا ألا نحبه.

ولكن متى نتأكد من أننا فعلا نجحنا في أن نكره الغلط وليس الغلطان ونكره فقط المعصية وليس العاصي؟ اختبار بسيط جدا. اسأل نفسك وأجب بصراحة هل تفرح عندما ينال خيرا وهل تحزن عندما يصيبه مكروه؟ وفي مثال إبراهيم، هل فرحت من قلبك له عندما فاز بجائزة اليانصيب بقيمة مليون دولار؟ وهل حزنت من قلبك عندما تعرض إبراهيم لحادث رغم أنه تسبب في فصلك من العمل؟ إن كانت الإجابة بنعم، فأنت من الصفوة وعليك أن تفرح بنعمة الله عليك، وإلا فعليك أن تسعى لتكون من هذه الصفوة.

كثير منا عندما يرى شخصا سكيرا أو مجاهرا بمعصية أيا كانت تراه يسخر من ذلك الشخص بل وقد يسبه أو يلعنه. والأجدر بنا أن نحمد الله الذي عافانا من المعصية التي ابتلى بها ذلك الشخص ثم ندعو له بالهداية. فربما يكون الله قد منّ عليك بأسرة أحسنت تربيتك وحرم ذلك الشخص من هذه النعمة، ولذلك كان من الممكن أن تكون مكانه.  وما أدراك لعل هذا الشخص السكير قد يتحول إلى داع إلى الله وولي من أوليائه في يوم من الأيام. قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن".

دمتم في سعادة!

الأربعاء، 18 مايو 2011

أفلا تتفكر



كلنا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه وحي السماء كان يذهب إلى غار حراء في قمة جبل النور ليتعبد فيه. وهذا الغار على ارتفاع يصل إلى حوالي 900 مترا، والطريق إليه شديد الصعوبة، حيث يعاني الشاب القوي من التعب الشديد حتى يصل إليه. ومن يجلس في هذا الغار يرى أمامه البيت الحرام ويرى منظرا بانوراميا يكشف مكة كلها. كان سيد البشر يذهب إلى هذا الغار يبيت فيه الليالي ذوات العدد كما وردنا في الأحاديث. 

والسؤال هنا، ماذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار؟ نعم، نعلم أنه كان يتعبد فيه. ولكن كيف كان يتعبد صلى الله عليه وسلم في غار حراء؟ يُصلي؟ لم تكن الصلاة قد فُرضت بعد. يقرأ القرآن؟ لم يكن القرآن قد نزل عليه بعد. كيف كنت تتعبد يا رسول الله؟ لم يردنا تفاصيل ذلك، ولكن ما أجمع عليه العلماء هو أن تعبده كان عبارة عن تفكر. تفكر في كل شيء، تفكر في خلق الله، تفكر في نفسه، تفكر في حال أمته والمجتمع الذي يعيش فيه، تفكر في ماضيه، تفكر في مستقبله.

إنها عبادة التفكر المهجورة. هجرناها رغم أنها أول عبادة تعبد بها رسول الله إلى ربه. هجرناها رغم أنها هي العبادة التي نزل عن طريقها الوحي واتصلت السماء بالأرض. إنها العبادة التي تعرف الرسول صلى الله عليه وسلم من خلالها على ربه. وكم كثيرة هي آيات القرآن التي تدعونا إلى التفكر. لو سألت أي شخص، وليكن من أصحاب اللحى الطويلة والثياب القصيرة، مع احترامي الشديد لهم، متى كانت آخر مرة مارست فيها عبادة التفكر؟ ربما يقول لك نعم إني أتفكر دائما. قل له، متى كانت آخر مرة خرجت فيها من بيتك لتخلو بنفسك لتمارس عبادة التفكر كما كان يمارسها رسول الله؟ منذ شهر؟ شهرين؟ سنة؟ أكثر؟ ولا مرة؟

ليس لدي وقت للتفكر!!!
تأخذنا طاحونة الحياة وننسى أنفسنا، ونتحجج بأعباء الحياة وبأننا ليس لدينا الوقت لكي نتفكر. ولكن ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم متزوجا من السيدة خديجة التي كانت صاحبة مال كثير وكان صلى الله عليه وسلم هو الذي يتولى إدارته؟ رغم ذلك، كان يخلو بنفسه في الغار ويبيت ليالي طويلة، وإن دل هذا فإنما يدل على عظم هذه العبادة. وأنا لا أطلب منك أن تبيت ليالي طويلة، فتكفيك ساعة واحدة كل فترة من الزمن، على ألا تطول هذه الفترة. ذكر الإمام الغزالي في كتابه "جدد حياتك" أن الإنسان عندما يكون لديه مكتب عليه أوراق متناثرة يشعر بضيق في نفسه، ولكنه عندما ينظمها ويرتب سطح مكتبه، يشعر بالارتياح. وهكذا نفسك، بحاجة لتخلو بها لتنظمها، فنفسك أولى بالرعاية.

أين تتفكر، وفي أي شيء تتفكر؟
عندما تختار مكانا تتفكر فيه، فليكن مكانا كله من صنع الله وليس فيه شيئا من صنع البشر. أقصد مكانا في الطبيعة التي خلقها الله، بعيدا عن كل شيء من صنع البشر، بعيدا عن السيارات، بعيدا عن المباني، الخ. لا ترى في المكان ولا تسمع فيه شيئا إلا ما هو من صنع الله فقط. تجرد من كل شيء صنعه الإنسان سوى ما يستر جسدك من ملابس. ابتعد عن هاتفك المحمول، ابتعد عن سيارتك، واخلع ساعتك، وما شابه ذلك. وليكن المكان شاطئ بحر، أو صحراء أو جبل، أو حقول خضراء، الخ. بالطبع، هذا هو الوضع المثالي، ولكن إن لم تستطع ذلك، فلا يجعلك ذلك تتقاعس عن عبادة التفكر، فيكفيك غلق باب غرفتك عليك لتتفكر فيها.

ولكن فيما تتفكر؟ باب التفكر مفتوح على مصراعيه. تفكر في كل ما ترى وكل ما تسمع وكل ما تشعر به وكل ما تلمسه وكل ما تشمه. تحدث مع نفسك وتحدث مع خالقك. اطرح ما تشاء من الأسئلة التي تدور بداخلك، وفكر في إجاباتها، أو استمع إلى إجاباتها تخرج من داخلك إن كنت من أصحاب النفوس الشفافة الصافية، وإلا فعليك أن تسعى لكي تكون كذلك.
فيما يلي بعض الأسئلة التي يمكنك أن تفكر فيها:

من أنا؟
ما الذي أريده من هذه الحياة؟
هل ستنتهي حياتي مثلي مثل ملايين البشر؟ ما هي البصمة التي سأتركها من بعدي في هذه الحياة؟
كيف أكون مميزا عند ربي في هذه الدنيا وعندما ألقاه في الآخرة؟
ما هي المشاكل التي أواجهها في هذه الحياة؟ وكيف السبيل إلى حلها؟
ما هو أكثر شيء أحبه في هذه الحياة؟ وكيف أناله وأحافظ عليه؟
ما هو أكثر شيء أكرهه في هذه الحياة؟ وكيف أتخلص منه؟
هل أنا راضي عن نفسي؟ وما الذي لا يعجبني في نفسي؟ وكيف أصلحه؟
هل أنا سعيد في حياتي؟ وما الذي ينقصني حتى أنال السعادة؟

كثيرة هي الموضوعات التي يمكن أن يتفكر فيها الإنسان. المهم ألا نتقاعس في اتخاذ القرار بإحياء عبادة التفكر في حياتنا، وأن نحافظ على هذه العبادة. فبفكرة واحدة يمكن أن تتغير حياتك 180 درجة، وبفكرة واحدة جاءت اختراعات غيرت وجه الأرض. وما أحوجنا أن نزرع في قلوب أطفالنا حب هذه العبادة وأن نخرج معهم إلى الطبيعة لنشاركهم في جلسات التفكر.

دمتم في سعادة!

السبت، 16 أبريل 2011

ازرع شجرة ولو لمرة واحدة في حياتك


عن النبات أحدثك. ولكن عن ماذا بالتحديد؟ سأحدثك عن الثواب الذي ستجنيه من زرع شجرة، وسأحاول أن أستكشف معك ضروبا عديدة من الثواب تكمن في مجرد زرع شجرة، قد تخفى على الكثير منا. تفكرت مليا في هذا الثواب، وتوصلت إلى أنواع الثواب التالية التي بإذن الله وكرمه ستحصل عليها من زرع شجرة:

أولا: ثواب الثمرة، إن كانت الشجرة ذات ثمر. قال الرسول، صلى الله عليه وسلم، "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة".
ثانيا: ثواب الظل. ستنال ثواب عن ظل الشجرة التي تزرعها، سواء استظل به إنسان أو حيوان أو حتى حشرة.
ثالثا: ثواب الأكسجين. ستنال ثواب عن كل ذرة أكسجين تخرج من الشجرة التي تزرعها ويتنفسها إنسان أو حيوان أو أي كائن حي.
رابعا: ثواب تسبيح الشجرة. هل نسيت أن النبات يسبح لخالقه بشكل لا ينقطع؟ فهل تستبعد أن يكون لمن يزرع شجرة نصيبا من ثواب هذا التسبيح؟ كلا والله، فكرم الله مع بني البشر ونعمه التي لا تُحصى عليهم تجعلنا لا نستبعد ذلك. تخيل أن الشجرة التي زرعتها تزال تسبح لربها ويُكتب لك ثواب التسبيح حتى بعد مماتك.
خامسا: ثواب التقليل من ثاني أكسيد الكربون والمساهمة في حل مشكلة الاحتباس الحراري. فالعالم يعاني الآن من مشكلة الاحتباس الحراري التي سببها ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو، والنبات يعيش على ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي يخفف من هذه المشكلة الجسيمة التي لها مخاطر جمة على عالمنا لا يتسع المجال لمناقشتها هنا.
سادسا: ثواب أعشاش الطيور. ستنال ثوابا عن كل عش تبنيه الطيور على الشجرة التي تزرعها. وسيظل هذا الثواب جاريا طالما وُجد ذلك العُش. بل لا أكون مبالغا عندما أقول لك بأنك ستأخذ ثوابا أيضا عن تسبيح تلك الطيور لربها، لأنك ساهمت في ذلك عن طريق توفير مكان لتلك الطيور لتبني عشها فيه.
سابعا: ثواب المنظر الجميل. عندما تكون الشجرة أو الأشجار التي تزرعها ذات منظر جميل يسر الناظرين، ستنال ثواب ذلك. قال صلى الله عليه وسلم "إن أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم".
ثامنا: ثواب الرائحة الجميلة. إذا كان لما تزرعه من شجر رائحة جميلة، فإن لك ثواب بقدر ما يشم تلك الرائحة من  إنسان أو أي كائن حي آخر.

هذا ما أسعفني به الفكر، وقد تكون هناك أنواع أخرى للثواب الذي يجنيه من يزرع شجرة ابتغاء مرضاة الله. وكل ما ذكرته أعلاه من أنواع الثواب دفعني إلى أن أسارع بنيل ذلك الثواب وأن أقوم بزرع ولو شجرة واحدة. ولكني أفتقد للمكان وللهمة التي تدفعني للعناية بتلك الشجرة. وعوضا عن ذلك، ألهمني الله عز وجل بفكرة جيدة، وكانت القصة التالية.

قررت أن أقوم بدفع ثمن الشجر لمن أراد أن يزرعه. قررت الذهاب لأحد الأسواق الذي يُقام أسبوعيا في إحدى المدن القريبة. وقررت أن أذهب إلى المكان الذي يتجمع فيه بائعو الأشجار بذلك السوق. وبذلك أضمن أن من يخرج من بيته قاصدا السوق لشراء الشجر سوف يعتني بذلك الشجر ويهتم به. وبالفعل، استيقظت مبكرا وذهبت لهم، ووجدت خمسة من بائعي الأشجار يتجمعون في مكان واحد. تحدثت معهم جميعا وعرضت عليهم فكرة أن من يأتي يشتري منهم شجرا يتركونه يختار ما يريد من الأشجار والنباتات ويتركونه يتفاوض معهم في السعر، وعند الدفع، أدفع أنا بدلا منه. استغرب بائعو الشجر هذا الأمر في البداية، ولكنهم سرعان ما تفهموا الأمر، ووثقوا في شخصي وأدركوا بأن محدثهم لا يبتغي سوى الثواب.


وسرعان ما بدأت الزبائن في التوافد على بائعي الأشجار، وحسب الاتفاق كان كل بائع يناديني ويقول هذا الزبون يريد كذا شجرة من نوع كذا، والحساب كذا، فأدفع أنا عن الزبون. كان الزبون يستغرب الأمر، فكنت أبلغه بأن الأشجار في هذا اليوم مجانية بشكل استثنائي، فيزداد استغرابه، فكنت أخبره بأن هذه الأشجار هدية من فاعل خير، وينبغي عليك أن تقبل الهدية، فيفرح الزبون ويدعو لفاعل الخير ثم ينصرف.

أمضيت مع بائعي الشجر ما يقرب من الساعة والنصف امتلأ خلالها قلبي بالسعادة، ووجدت الكثير من الترحاب من باعة الأشجار وشاركتهم إفطارهم. وكنت قد قررت صرف مبلغ معين في هذا الأمر. وتفاجأت بمدى رخص ثمن الأشجار، وخلال الساعة والنصف تمكنت من دفع ثمن 240 شجرة من النباتات المختلفة مثل أشجار الجزورين والجوافة والمانجو والباباز والعنب والليمون والفيقس والأرنج، وأشجار الورد وغيرها، مع اختلاف المسميات من مكان لآخر.

انتهى المبلغ الذي كنت قد قررت التبرع به. استأذنت الباعة في الانصراف، ولكن قبل الانصراف تحدثت معهم وأخبرتهم لماذا أنا فعلت ذلك، وذكرت لهم أنواع الثواب العديدة المذكورة أعلاه. تحمسوا للأمر، وتواعدنا على أن يحرصوا أن يجعلوا لله نصيبا دائما في الأشجار التي يبيعونها. وسألني أحدهم هل ستأتي السوق القادم، فقلت له مازحا "لماذا تسأل؟ هل لكي تتفق مع زبائن مزيفين يأتون ويشترون كل ما لديك ثم تحصل أنت على الأشجار مرة أخرى؟ إن أراد الله لي أن أكرر هذا الأمر، فلن آتيك إلا بشكل مفاجئ". ابتسم الجميع ثم سلمت عليهم وانصرفت.

وفيما يلي بعض الصور التي التقطها:





صديقي، تستطيع أنت أيضا أن تكون بطلا لقصة مشابهة يكون مسرحها إما سوق مشابه أو مشتلا أو محلا للنباتات المختلفة. لا يهم أبدا عدد الأشجار التي تدفع ثمنها أو المبلغ الذي تتبرع به، ولكن ألا ترى أن كل هذا الثواب يستحق أن تحاول زرع ولو شجرة واحدة؟

دمتم في سعادة!

السبت، 9 أبريل 2011

دنيا بلا ألم



لو قلت لك أن هذه الدنيا التي خلقها الله هي دنيا خالية من الآلام والمشاكل ومن كل شيء يسبب لك ألم، هل ستصدقني؟ في الغالب لن تصدقني. ولكن اسمح لي أن أحاول إقناعك من خلال السطور القليلة التالية.
إن أي ألم يصيبك نتيجة، مثلا، مرض أو حادث أو بسبب شخص جرحك أو أهانك، كل هذه الآلام ليس لها وجود في الواقع، وما يحدث لك هو تهيؤات ألم وليست ألم، أو ما يسميها الكاتب الأمريكي واين داير بالإنجليزية "Pain illusions".

قد تقول ماذا عن الزلازل والفيضانات وماذا عن المستشفيات المكتظة بالمرضى، هل كل هذه الآلام ليس لها وجود؟ لكي أجيبك، دعني أطرح عليك مثالا.

خذ مثلا امرأة عجوز ترقد في سريرها بالمستشفى وتعاني من آلام شديدة ولا تستطيع التحرك أي حركة إلا بمساعدة الآخرين، وتتلوى من الألم ليل نهار. فجأة دخل عليها ابنها الذي قدم بعد سنوات طويلة من السفر. انتفضت المرأة العجوز من سرير المرض وأخذت تحضن ابنها في فرحة شديدة. والسؤال، أين ذهب الألم إن كان بالفعل له وجود؟ ومثال آخر لأب عجوز وصله للتو خبر قيام أبنائه بالحجر عليه، فارتمى على سريره من هول الصدمة وأصبح قلبه يعتصره الألم والحسرة. ولكن فجأة، رأى ثعبانا، أو حدث زلزال، فنسي كل شيء وانطلق مسرعا إلى خارج بيته. والسؤال، أين ذهب الألم، إن كان له وجود بالفعل؟
أجيبك أنا، الألم ليس له أي وجود سوى في عقلك أنت يا صديقي. فإن كانت الأفكار التي في عقلك هي أفكار ألم، فستشعر بالألم، وإن كانت أفكار سعادة، ستشعر بالسعادة. فاختر لنفسك أيهما شئت. ولتكن أنت المسيطر على أفكارك، ولا تدع أفكارك السلبية تسيطر عليك.

وهناك الكثير من الأمثلة لمرضى عجز الطب عن مداواتهم، وتخلصوا من أمراضهم بسبب تفكيرهم الإيجابي. ومنها السيدة الأمريكية التي تم تشخيص حالتها على أنها مصابة بسرطان الثدي، وقررت أن تنسى هذا المرض أصلا، بدلا من الاستسلام له. فكان يومها كله عبارة عن لعب ومرح ومشاهدة الأفلام المضحكة والمسرحيات فقط لا غير. وبعد ثلاثة أشهر على هذا الحال، تم الكشف عليها مرة أخرى، ولم يكن هناك أدنى أثر لوجود هذا السرطان. لماذا؟ لأنه لم يكن موجودا أصلا.

ألم تشاهد ما يسمونهم أصحاب القوى الخارقة الذين يقفون على المسامير أو يطعنون بطونهم بالسيف فينثني السيف؟ ليس هذا سحرا، بل أشخاص أدركوا قواهم الحقيقية، واستطاعوا التحكم في أفكارهم ومشاعرهم، فلم يشعروا بالألم. وأنت لست أقل منهم لو استغليت القدرات الهائلة التي خلقها الله في عقلك وتحكمت في أفكارك ومشاعرك.

اعلم يا صديقي أن أي شيء سلبي في هذه الدنيا، مثل المرض أو الألم أو الشعور بالظلم أو الشعور بالإهانة أو الشعور بالوحدة أو الشعور بالخوف، إلى آخر ذلك من المشاعر السلبية، ليس لها وجود إلا في عقلك أنت.

قد تسألني وتقول، ماذا عن قول الله تعالى "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ...."؟ حسنا، أنا أطلب منك أن تُمعن النظر مرة أخرى في هذه الآية. هل قال تعالى "لنبلونكم بالخوف والجوع" أم قال "لنبلونكم بشيء من الخوف والجوع". لماذا لم يقل "لنبلونكم بالخوف والجوع" مثلا؟ إنه شيء من الخوف، وليس الخوف لأن الخوف ليس له وجود إلا في عقلك. إنه شيء من الجوع، وليس الجوع لأن الجوع ليس له وجود. فلو تحكمت مثلا في عقلك والأفكار التي تدور في عقلك، تستطيع أن تواجه أسدا بلا خوف وأن تستمر شهورا دون طعام ولا تشعر بالجوع. فشيء من الخوف يعني تهيؤات خوف، وشيء من الجوع يعني تهيؤات جوع.

أما أنا، فقد تفكرت بعمق أكثر في هذه المسألة، وسألت نفسي لماذا خلق الله في الدنيا أصلا شيء من الخوف وشيء من الجوع، الخ؟ بمعنى آخر، لماذا خلق الله تهيؤات الخوف وتهيؤات الجوع؟ وتوجهت بهذا السؤال لربي، وتناجيت معه ودار بيننا الحوار التالي:

العبد الفقير: يا رب، رحمتك بلا حدود، فلماذا تبتليني بشيء من الخوف والجوع؟
ملك الملوك: إن رحمتي هي التي جعلتني أبتليك بشيء من الخوف و الجوع.
العبد الفقير: كيف يا رب؟ الخوف والجوع يتناقضان مع رحمتك.
ملك الملوك: يا عبدي لقد أنعمت عليك بالصحة والمال والأولاد ونعم كثيرة لا تُحصى، ولكنك انشغلت بهذه النعم عن المُنعم. وكلما زادت نعمي عليك، زدت أنت بعدا عني. فأنا أترك عرشي فوق السماء السابعة وأنزل إلى السماء الدنيا من أجلك كل ليلة وأقول لك هل تريد أن تتوب فأتوب عليك، هل تريد أن تستغفرني فأغفر لك، هل تريد أن تسألني فأعطيك. ولكني لا أجدك، وتمر الشهور بل والسنين وأنا على هذا الحال ولا أجدك. يا عبدي لقد خلقتك من روحي ولا أطيق بعدك عني. فلم أجد سبيلا لكي تعود إليّ وتتقرب إليّ سوى أن أبتليك بشيء من الخوف أو شيء من المرض. شيء فقط، فأنا لا أحتمل أن أبتليك بخوف حقيقي أو مرض حقيقي. وعندما أبتليك أتألم أكثر مما تتألم الأم وهي تعطي طفلها الدواء المر.
العبد الفقير: سامحني يا رب.

قد تسأل وتقول، لماذا خلق الله في هذا الكون أشياء مُضرة مثل الحيوانات المفترسة كالثعبان أو الأسد، الخ؟ فالثعبان مثلا تفزع الناس منه ويسبب لهم الخوف ولدغته تسبب لهم الألم بل والموت.
أقول لك، اعلم أن الله لم يخلق شيئا في هذه الدنيا إلا وفيها الخير لك. واستفادتك من هذا الخير تعتمد على طريقة تعاملك مع هذه الأشياء ونظرتك إليها. فإذا كنت تفزع من الثعبان مثلا، فهناك من يستأنسه ويربيه في بيته ويعتبره صديقه ويحمله على أكتافه، وهناك من يستفيد بجلده، وهناك من يستفيد بسُمه القاتل.

فلا يُعقل أبدا أن الله عز وجل الذي سخر لك هذا الكون كله لخدمتك، وجعلك خليفته في الأرض يخلق شيئا يضرك.

فكل ما هو ظاهره عذاب أو ابتلاء في هذه الدنيا ما هو إلا مظهر من مظاهر رحمة الله بخلقه. بل حتى الموت نفسه رحمة من الله بعباده. فعندما ترى شخصا مات مثلا في حادثة موت قاسية، أو شخص مرض مرضا شديدا وتوفاه الله، هذا الموت هو رحمة من الله. فعندما يصل الألم (أو بالأحرى تهيؤات الألم) إلى حد لا يتحمله العبد، فالله يقبض روحه رحمة به.

آمل أن أكون قد ساهمت في تغيير نظرتك إلى الدنيا، وأن تكون المعتقدات الفارغة من قبيل "لا راحة في الدنيا" أو "الدنيا شقاء" أو "لا سعادة في الدنيا" أو قول بعض المتدينين "لهم الدنيا ولنا الآخرة" لا مكان لها في عقلك. ملك الملوك لم يخلقك لتشقى في هذه الدنيا. وعندما ترى متدينا كئيبا أو عبوسا، فاعلم أنه قد فهم دينه على نحو مغلوط. ألم يقل الله تعالى لنبيه "طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى"؟ فالمؤمن الحق هو الذي يسعد في الدنيا والآخرة. ولا يرضى الله لعباده إلا أن يكونوا سعداء في الدنيا والآخرة.

آمل أيضا أن تكون هذه المقالة قد زادت من حبك لربك، وإن كان مهما بلغ حبك لربك، لن يعادل مثال ذرة من حبه لك.

دمتم في سعادة!

الأربعاء، 6 أبريل 2011

انظر إلى السماء


صورة حقيقية - لفظ الجلالة يرتسم في السماء

 صديقي، متى آخر مرة نظرت فيها إلى السماء؟
أعلم أنك شاهدتها كثيرا، ولكني أسألك عن آخر مرة رفعت فيها رأسك وجعلت عينيك نُصب السماء. تمر الأيام الطوال ونخرج من بيوتنا كل يوم ونقضي الساعات خارج البيت ثم نعود إليه ولا نرفع أعيننا صوب السماء ولو لمرة واحدة.

ولكنك قد تسألني وتقول "لماذا تريدني أن أنظر إلى السماء؟".         
أقول لك أنت بحاجة يا صديقي لأن ترفع رأسك وتجعل عينيك نُصب السماء وتأخذ نفسا عميقا ...

  •        لكي تملأ قلبك بطاقة روحانية سوف تشعر بأثرها بشكل فوري.
  •        لكي تجدد صلتك بأهل السماء، فقد نزلت روحك من السماء لتسكن في جسدك، وإليها سوف تعود.
  •        لكي تجدد الأمل في تحقيق أمنياتك في هذه الحياة.
  •        لكي تُمتع ناظريك بجمال السماء وألوانها وصفائها وسُحبها.
  •        لكي تسرح بخيالك وتستلهم الأحلام، فقد يولد بداخلك حلم بسبب نظرة إلى السماء.

خذ أنفاسا عميقة وأنت تنظر إلى السماء، ومع كل زفير انفث همومك وانس آلامك.

من نعم الله علينا في خلق السماء أنه خلقها على ارتفاع شاهق لا يعلم حدوده إلا الله ولم يبلغها أحد من خلقه إلا من أذن له، وذلك لأن الله عز وجل أراد أن يمنحنا أفقا لا حدود له نسبح فيه بأفكارنا وأحلامنا. تخيل لو أن السماء كان ارتفاعها بمقدار طابق أو حتى عدة طوابق فقط، لكانت أفكارنا تتسم بضيق الأفق وقصر النظر.

من نعم الله أيضا في خلق السماء أن خلقها بلون جميل. تخيل لو كان لون السماء أسوداً!!

لتبدأ يومك دائما بالنظر إلى السماء، وليكن أول شيء تفعله عندما تفتح نافذة بيتك في الصباح أو عندما تفتح باب منزلك لتخرج إلى عملك هو أن ترفع رأسك إلى السماء لثوان قليلة وتأخذ نفسا عميقا لتبدأ يومك وقلبك ممتلئ بالطاقة والأمل.

ويا حبذا لو واتتك الفرصة في مكان مفتوح، كحديقة أو شاطئ أو حتى فوق سطح بيتك، واستلقيت على ظهرك لبعض الوقت وأخذت تنظر إلى السماء لتتأمل جمالها وتسبح بأفكارك في أفقها. وما أجمل أن تفعل ذلك مع أطفالك أو مع من تحب وتتأملون أشكال السحاب، فترون معا سحابة على شكل سفينة، وأخرى على شكل حيوان وأخرى على شكل هرم، وهكذا. لعبة جميلة، استمتعنا بها أغلبنا ونحن أطفال، ولكننا بحاجة إليها من حين لآخر ونحن كبار.

ألم تقرأ قول الله تعالى "ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين". ولكن أين الناظرون؟ لقد خلق ملك الملوك السماء من أجلك أنت، وزينها من أجلك أنت، وأنت لا تنظر إليها؟ أعتقد قليل من الحياء تجاه ربنا يجعل النظر إلى السماء عادة أصيلة في حياتنا.

دمتم في سعادة!