السبت، 9 أبريل 2011

دنيا بلا ألم



لو قلت لك أن هذه الدنيا التي خلقها الله هي دنيا خالية من الآلام والمشاكل ومن كل شيء يسبب لك ألم، هل ستصدقني؟ في الغالب لن تصدقني. ولكن اسمح لي أن أحاول إقناعك من خلال السطور القليلة التالية.
إن أي ألم يصيبك نتيجة، مثلا، مرض أو حادث أو بسبب شخص جرحك أو أهانك، كل هذه الآلام ليس لها وجود في الواقع، وما يحدث لك هو تهيؤات ألم وليست ألم، أو ما يسميها الكاتب الأمريكي واين داير بالإنجليزية "Pain illusions".

قد تقول ماذا عن الزلازل والفيضانات وماذا عن المستشفيات المكتظة بالمرضى، هل كل هذه الآلام ليس لها وجود؟ لكي أجيبك، دعني أطرح عليك مثالا.

خذ مثلا امرأة عجوز ترقد في سريرها بالمستشفى وتعاني من آلام شديدة ولا تستطيع التحرك أي حركة إلا بمساعدة الآخرين، وتتلوى من الألم ليل نهار. فجأة دخل عليها ابنها الذي قدم بعد سنوات طويلة من السفر. انتفضت المرأة العجوز من سرير المرض وأخذت تحضن ابنها في فرحة شديدة. والسؤال، أين ذهب الألم إن كان بالفعل له وجود؟ ومثال آخر لأب عجوز وصله للتو خبر قيام أبنائه بالحجر عليه، فارتمى على سريره من هول الصدمة وأصبح قلبه يعتصره الألم والحسرة. ولكن فجأة، رأى ثعبانا، أو حدث زلزال، فنسي كل شيء وانطلق مسرعا إلى خارج بيته. والسؤال، أين ذهب الألم، إن كان له وجود بالفعل؟
أجيبك أنا، الألم ليس له أي وجود سوى في عقلك أنت يا صديقي. فإن كانت الأفكار التي في عقلك هي أفكار ألم، فستشعر بالألم، وإن كانت أفكار سعادة، ستشعر بالسعادة. فاختر لنفسك أيهما شئت. ولتكن أنت المسيطر على أفكارك، ولا تدع أفكارك السلبية تسيطر عليك.

وهناك الكثير من الأمثلة لمرضى عجز الطب عن مداواتهم، وتخلصوا من أمراضهم بسبب تفكيرهم الإيجابي. ومنها السيدة الأمريكية التي تم تشخيص حالتها على أنها مصابة بسرطان الثدي، وقررت أن تنسى هذا المرض أصلا، بدلا من الاستسلام له. فكان يومها كله عبارة عن لعب ومرح ومشاهدة الأفلام المضحكة والمسرحيات فقط لا غير. وبعد ثلاثة أشهر على هذا الحال، تم الكشف عليها مرة أخرى، ولم يكن هناك أدنى أثر لوجود هذا السرطان. لماذا؟ لأنه لم يكن موجودا أصلا.

ألم تشاهد ما يسمونهم أصحاب القوى الخارقة الذين يقفون على المسامير أو يطعنون بطونهم بالسيف فينثني السيف؟ ليس هذا سحرا، بل أشخاص أدركوا قواهم الحقيقية، واستطاعوا التحكم في أفكارهم ومشاعرهم، فلم يشعروا بالألم. وأنت لست أقل منهم لو استغليت القدرات الهائلة التي خلقها الله في عقلك وتحكمت في أفكارك ومشاعرك.

اعلم يا صديقي أن أي شيء سلبي في هذه الدنيا، مثل المرض أو الألم أو الشعور بالظلم أو الشعور بالإهانة أو الشعور بالوحدة أو الشعور بالخوف، إلى آخر ذلك من المشاعر السلبية، ليس لها وجود إلا في عقلك أنت.

قد تسألني وتقول، ماذا عن قول الله تعالى "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ...."؟ حسنا، أنا أطلب منك أن تُمعن النظر مرة أخرى في هذه الآية. هل قال تعالى "لنبلونكم بالخوف والجوع" أم قال "لنبلونكم بشيء من الخوف والجوع". لماذا لم يقل "لنبلونكم بالخوف والجوع" مثلا؟ إنه شيء من الخوف، وليس الخوف لأن الخوف ليس له وجود إلا في عقلك. إنه شيء من الجوع، وليس الجوع لأن الجوع ليس له وجود. فلو تحكمت مثلا في عقلك والأفكار التي تدور في عقلك، تستطيع أن تواجه أسدا بلا خوف وأن تستمر شهورا دون طعام ولا تشعر بالجوع. فشيء من الخوف يعني تهيؤات خوف، وشيء من الجوع يعني تهيؤات جوع.

أما أنا، فقد تفكرت بعمق أكثر في هذه المسألة، وسألت نفسي لماذا خلق الله في الدنيا أصلا شيء من الخوف وشيء من الجوع، الخ؟ بمعنى آخر، لماذا خلق الله تهيؤات الخوف وتهيؤات الجوع؟ وتوجهت بهذا السؤال لربي، وتناجيت معه ودار بيننا الحوار التالي:

العبد الفقير: يا رب، رحمتك بلا حدود، فلماذا تبتليني بشيء من الخوف والجوع؟
ملك الملوك: إن رحمتي هي التي جعلتني أبتليك بشيء من الخوف و الجوع.
العبد الفقير: كيف يا رب؟ الخوف والجوع يتناقضان مع رحمتك.
ملك الملوك: يا عبدي لقد أنعمت عليك بالصحة والمال والأولاد ونعم كثيرة لا تُحصى، ولكنك انشغلت بهذه النعم عن المُنعم. وكلما زادت نعمي عليك، زدت أنت بعدا عني. فأنا أترك عرشي فوق السماء السابعة وأنزل إلى السماء الدنيا من أجلك كل ليلة وأقول لك هل تريد أن تتوب فأتوب عليك، هل تريد أن تستغفرني فأغفر لك، هل تريد أن تسألني فأعطيك. ولكني لا أجدك، وتمر الشهور بل والسنين وأنا على هذا الحال ولا أجدك. يا عبدي لقد خلقتك من روحي ولا أطيق بعدك عني. فلم أجد سبيلا لكي تعود إليّ وتتقرب إليّ سوى أن أبتليك بشيء من الخوف أو شيء من المرض. شيء فقط، فأنا لا أحتمل أن أبتليك بخوف حقيقي أو مرض حقيقي. وعندما أبتليك أتألم أكثر مما تتألم الأم وهي تعطي طفلها الدواء المر.
العبد الفقير: سامحني يا رب.

قد تسأل وتقول، لماذا خلق الله في هذا الكون أشياء مُضرة مثل الحيوانات المفترسة كالثعبان أو الأسد، الخ؟ فالثعبان مثلا تفزع الناس منه ويسبب لهم الخوف ولدغته تسبب لهم الألم بل والموت.
أقول لك، اعلم أن الله لم يخلق شيئا في هذه الدنيا إلا وفيها الخير لك. واستفادتك من هذا الخير تعتمد على طريقة تعاملك مع هذه الأشياء ونظرتك إليها. فإذا كنت تفزع من الثعبان مثلا، فهناك من يستأنسه ويربيه في بيته ويعتبره صديقه ويحمله على أكتافه، وهناك من يستفيد بجلده، وهناك من يستفيد بسُمه القاتل.

فلا يُعقل أبدا أن الله عز وجل الذي سخر لك هذا الكون كله لخدمتك، وجعلك خليفته في الأرض يخلق شيئا يضرك.

فكل ما هو ظاهره عذاب أو ابتلاء في هذه الدنيا ما هو إلا مظهر من مظاهر رحمة الله بخلقه. بل حتى الموت نفسه رحمة من الله بعباده. فعندما ترى شخصا مات مثلا في حادثة موت قاسية، أو شخص مرض مرضا شديدا وتوفاه الله، هذا الموت هو رحمة من الله. فعندما يصل الألم (أو بالأحرى تهيؤات الألم) إلى حد لا يتحمله العبد، فالله يقبض روحه رحمة به.

آمل أن أكون قد ساهمت في تغيير نظرتك إلى الدنيا، وأن تكون المعتقدات الفارغة من قبيل "لا راحة في الدنيا" أو "الدنيا شقاء" أو "لا سعادة في الدنيا" أو قول بعض المتدينين "لهم الدنيا ولنا الآخرة" لا مكان لها في عقلك. ملك الملوك لم يخلقك لتشقى في هذه الدنيا. وعندما ترى متدينا كئيبا أو عبوسا، فاعلم أنه قد فهم دينه على نحو مغلوط. ألم يقل الله تعالى لنبيه "طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى"؟ فالمؤمن الحق هو الذي يسعد في الدنيا والآخرة. ولا يرضى الله لعباده إلا أن يكونوا سعداء في الدنيا والآخرة.

آمل أيضا أن تكون هذه المقالة قد زادت من حبك لربك، وإن كان مهما بلغ حبك لربك، لن يعادل مثال ذرة من حبه لك.

دمتم في سعادة!

هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

ودمت انت ايضا فى سعادة وهناء وسرور يا ابو اياد ...وحفظك الله من كل سوء ....وحفظ الله لك اياد وام اياد .....مقالة رائعة ....

أفكار وتفكير يقول...

تسلم يا أبو أحمد يا غالي