هو قانون إلهي وضعه الله ليحكم مسألة السعي والأرزاق لكل من يعيش على هذا الأرض، وهذا القانون هو "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" وهذا يعني أن كل ما تسعى إليه تناله، أليس كذلك؟ فماذا عن الإنسان الذي يبذل جهوداً كبيرة ويكد ويكدح ولا ينال ما يسعى إليه؟
لماذا عامل البناء الذي يبذل جهوداً بدنية هائلة لا يحصل إلا على الفتات مقارنة بما يحصل عليه المهندس الاستشاري في نفس المشروع رغم أنه لم يبذل عُشر الجهود التي بذلها عامل البناء؟
أغلبنا يتجنى على الخالق الكريم ويقول أن الله جعل رزق فلان قليل ورزق فلان كثير، فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا قال لنا أن ليس للإنسان إلا ما سعى؟
هذا يجعلنا نتساءل، إذا كان الرزق على قدر السعي، فما المقصود بالسعي إذاً؟
حسناً، السعي في المقام الأول هو سعي النفس، وماذا يعني سعي النفس؟ نفسك هي أفكارك التي تدور في عقلك، ومشاعرك التي تدور في قلبك. ألا يمر عليك وقت تقول فيه "إني أكره نفسي"؟ فهذا يعني أنك شيء ونفسك شيء آخر، فمن هي نفسك التي تكرهها؟ نفسك التي تكرهها هي أفكارك ومشاعرك، لأنك في الوقت الذي تكره فيه نفسك تكون الأفكار التي تدور في عقلك أفكار سلبية تضرك ولا تفيدك بشيء، وهذه الأفكار تخلق في قلبك مشاعر سلبية مثل مشاعر الإحباط والحزن.
فسعي النفس هو أن تسعى بفكرك وقلبك، فسعي عامل البناء هو سعي بالبدن فقط، فلو سألته هل فكرت يوماً أن تملك في يوم من الأيام فيلا جميلة، أو أن يكون دخلك أضعاف ما تحصل عليه الآن، سيرد عليك بأنه لم يفكر أبدا في ذلك في يوم من الأيام. فكل فكره منصب على عمله اليومي، يفكر فقط كيف سيذهب إلى موقع البناء كل صباح ليكسب رزق يومه، وكيف يعود إلى منزله ليشتري لأسرته الطعام، وهكذا، فدائرة تفكيره محدودة جدا.
في بداية حياتي العملية، كنت أبحث عن عمل عن طريق الذهاب إلى الشركات المختلفة في الشوارع المختلفة وأتعب وأبذل مجهود بدني كبير تحت الشمس المحرقة، ولا أجد أي وظيفة. وبعد ذلك أظن أنني قد فعلت ما يجب عليّ فعله، وأظن بالله ظن السوء وأقول أن الله لم يجعل لي نصيبا. للأسف، كنت أسعى ببدني ولا أسعى بنفسي. فلو كنت أسعى بنفسي، كان المفروض أجلس مع نفسي أفكر وأضع خطة للبحث عن الوظيفة، وأسأل نفسي ما هي الشركات التي قد تحتاج وظيفتي؟ وما هي الطريقة الأسهل للوصول إليها؟ ومن الأشخاص الذين يمكن أن يساعدوني في ذلك؟ وما الذي أقدمه لهذه الشركات لكي أثبت جدارتي؟ وما هي الطريقة المثلى للتحدث معهم ؟ إلى غير ذلك من الأفكار التي يمكن أن توفر عليك ساعات وأيام طويلة من الجهد البدني.
المجهود البدني أثره محدود جدا في حياتك، واعلم أن الله خلق هذا الكون ليمنحك ما تريد بسهولة ويسر (يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) فإذا واجهت صعوبة وعسر في حياتك، فاعلم جيدا أن هناك شيء خطأ، أن طريقة سعيك خطأ، وحينها يجب أن تعود إلى نفسك (أي تعود إلى أفكارك ومشاعرك)، وتتساءل هل هذه الأفكار (والتي ستكون حينها أفكار سلبية) التي تدور في عقلي تخدمني وتنفعني أم تضرني، وهل هذه المشاعر التي تدور في قلبي (والتي حينها ستكون مشاعر سلبية مثل الحزن والإحباط) تخدمني وتدفعني للعمل أم تعيقني وتثبطني عن العمل.
أكثر الناس ربحاً هم أقل الناس بذلا للمجهود البدني وأكثرهم بذلا للمجهود الفكري، وأقل الناس ربحا هم أكثر الناس بذلا للمجهود البدني وأقلهم بذلا للمجهود الفكري
