نفترض أن لك زميل بالعمل سيء الخلق وهذا الزميل (دعنا نسميه إبراهيم مثلا) قام بالاختلاس من أموال الشركة، وتم اتهامك أنت بالاختلاس وتم فصلك من العمل بسبب ذلك. وأنت تعلم علم اليقين أن إبراهيم هذا هو الذي قام بالاختلاس. ولم تمر سوى أيام قليلة وجاءك خبر فوز إبراهيم بجائزة اليانصيب بقيمة مليون دولار. أو لنفترض أن جاءك خبر تعرض إبراهيم لحادث بعد ارتكابه لجريمة الاختلاس. والآن، دعني أغوص بداخلك لأتعرف على مشاعرك تجاه هذه المواقف الثلاثة.
ماذا كانت مشاعرك تجاه إبراهيم عندما تم فصلك من العمل ظلما بسبب اختلاس إبراهيم لأموال الشركة؟ كراهية شديدة لإبراهيم، أليس كذلك؟.
وماذا كانت مشاعرك تجاه إبراهيم عندما فاز بجائزة اليانصيب بقيمة مليون دولار؟ حقدت عليه، وشعرت بأن شخص مثله لا يستحق هذه الجائزة.
وماذا كانت مشاعرك عندما تعرض إبراهيم لحادث؟ شعرت بالارتياح وبأن الله أنصفك وجزاه على ما ارتكبه من اختلاس وتسببه في فصلك من العمل.
للأسف هكذا تكون مشاعرنا جميعا، إلا من رحم ربي، تجاه كل من يظلمنا. المثال المذكور أعلاه هو مثال لشخص ظلمك ثم نال خيرا أو أصابه مكروه.
في هذه المقالة، أحاول أن أوضح كيف يجب أن تكون مشاعرنا تجاه من يظلموننا، وكيف يجب أن تكون مشاعرنا تجاههم عندما يصيبهم مكروه أو ينالوا خيرا. غاية ما أريد أن أوصله لك من هذه المقالة هو أنني أريدك أن تكره الغلط ولا تكره الغلطان، اكره المعصية ولا تكره العاصي. دعنا نطبق ذلك على مثال إبراهيم المذكور أعلاه. يجب ألا يكون في قلبك كره لإبراهيم، ولكن من حقك أن تكره تصرفه وهو الاختلاس. لا تكره إبراهيم كشخص، ولكن اكره ما فعله. اكره الفعل، ولا تكره الفاعل. وابذل كل ما في وسعك لاسترداد حقك واتخذ كل الإجراءات لإثبات إدانة إبراهيم.
ولكن لماذا ينبغي عليك ألا تكره إبراهيم؟ للأسباب التالية:
أولا: هل تكرهه لأنه غلطان أو لأنه عاصي؟ لا يوجد شخص على وجه هذه الأرض ليس بعاصي ولم يرتكب خطأً. فكل بني آدم خطاء. وإن كرهت إبراهيم كشخص، فينبغي عليك أن تكره نفسك وأن تكره أبيك وتكره أمك، لأن الجميع خطّاء.
ثانيا: لأن إحساس الكراهية الذي يكون بداخلك تجاه شخص معين لا ينال من أحد سواك أنت. لن يصل إلى الشخص الذي تكرهه. سيحترق دمك وستدع نار الكراهية تحرق قلبك، أما من تكره فيستمتع بحياته وكأن شيئا لم يحدث. يكفيك ظلمه لك، فلا تزد نفسك ظلما بكراهيتك له. ولتتخذ قرارا أبديا بالتمسك بالحب، فالكراهية عبء قد أنهك حامله. يقول هنري إينرسون "إن من يكره شخصا يكون كمن يحرق بيته من أجل أن يتخلص من فأر".
ثالثا: أجريت بحثا في آيات القرآن عن كلمة الكره ومشتقاتها، ووجدت أن الله عز وجل عندما تحدث عن الكافرين وعن المعتدين وعن المفسدين قال "إن الله لا يحب الكافرين" و "إن الله لا يحب المعتدين" و "إن الله لا يحب المفسدين". لماذا لم يقل الله عز وجل إن الله يكره الكافرين أو يكره المعتدين؟ لأن الله لا يقدم سوى الحب، ولا شيء سوى الحب. وأقصى ما يفعله مع العصاة هو أن يحجب عنهم هذا الحب. وهكذا نجب أن نكون في حياتنا؛ لا نكره أحدا أبدا، ويكفينا ألا نحبه.
ولكن متى نتأكد من أننا فعلا نجحنا في أن نكره الغلط وليس الغلطان ونكره فقط المعصية وليس العاصي؟ اختبار بسيط جدا. اسأل نفسك وأجب بصراحة هل تفرح عندما ينال خيرا وهل تحزن عندما يصيبه مكروه؟ وفي مثال إبراهيم، هل فرحت من قلبك له عندما فاز بجائزة اليانصيب بقيمة مليون دولار؟ وهل حزنت من قلبك عندما تعرض إبراهيم لحادث رغم أنه تسبب في فصلك من العمل؟ إن كانت الإجابة بنعم، فأنت من الصفوة وعليك أن تفرح بنعمة الله عليك، وإلا فعليك أن تسعى لتكون من هذه الصفوة.
كثير منا عندما يرى شخصا سكيرا أو مجاهرا بمعصية أيا كانت تراه يسخر من ذلك الشخص بل وقد يسبه أو يلعنه. والأجدر بنا أن نحمد الله الذي عافانا من المعصية التي ابتلى بها ذلك الشخص ثم ندعو له بالهداية. فربما يكون الله قد منّ عليك بأسرة أحسنت تربيتك وحرم ذلك الشخص من هذه النعمة، ولذلك كان من الممكن أن تكون مكانه. وما أدراك لعل هذا الشخص السكير قد يتحول إلى داع إلى الله وولي من أوليائه في يوم من الأيام. قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن".
دمتم في سعادة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق